الثلاثاء، 19 مايو 2015

من ذاكرة الحرب واللجوء في ارتريا(6 )

 انتهت الرحلة الشاقة بوصولنا إلى قرية (امبيرمي) التي استقبلنا فيها بعض من يعرفنا من اللاجئين الذين سبقونا وضيفونا بالحليب ،ولكن لم ننزل عندهم بجوار البئر كما نزل كلُّ اللاجئين، حيث أصرَّت عائلةُ من أهل القرية كان ابنهم يعمل عند والدي في مصوَّع أن ننزل في أرضهم الشاسعة بجوارهم في وسط امبيرمي، وهذه الأسرة استشهد بعض أفرادها في مجزرة القرية التي قام بها العدو المحتل ،لذلك آثار المذبحة والحرق في القرية كانت ماثلة للعيان . فأحسنت هذه الأسرة ضيافتنا وأكرمتنا أعظم إكرام،فقاسمتنا أرضها وجعلت حليب بقرتها قِسمة بيننا وبينها ،وحمارها مركبٌ لنا وقت ماشئنا،ونحصد سنابل الذرة في كل وقت من مزرعتها، وبَنَت لنا بيتاً كبيراً من القش ومقسَّم إلى قسمين أحدهما للرجال والآخر للنساء، وبَنَتهُ لنا بدعائم أعزّ وأطول من بيوت أهل القرية . ولكن انتشر مرض الملاريا في القرية فأصاب جميع أفراد الأسرة ولم يترك منَّا أحداً ولم يكن ثَمَّة علاج فلا مستشفى هنا ولاعيادة ولا طبيب. لذلك كان على المريض أن يذهب إلى قرية مجاورة بها مجنَّدة تُحسن حقن الإبر،ولأنَّنا مرضنا جميعنا كانت تأتينا الجندية بعد الاستدعاء بيوم أوأكثر لتحقن المريض حقنة بعد أن كاد يشرف على الهلاك،وكان لعمي وليدة رضيعة مريضة بسوء التَّغذية، وظهر عظامها وكأنَّها هيكلٌ عظميٌ، ففارقت الحياة ودفنت في هذه القرية،وكانت حين تبكيها زوجة عمي تذكرمعاناة حملها بين ذراعيها،ومعاناتها في العناية بها في الطريق الوعرة التي سلكناها. ومن معاناة هذا المرض حين انتقلت الحُمَّى العالية من أمي إلى أخي الرَّضيع ،فبدأ يتشنج حتى سكن بدون حراك،وظنوه مات وأخذوا يبكونه فيومها شعرتُ أنَّنا سنتساقط واحداً تلو الآخر لذلك انعزلتُ تحت إحدى الأشجار وأجهشتُ بالبكاء لأني رأيتُ كأنَّ الموت ينازع أخي،وذلك ماكنتُ أتوهمه فقد عاد إليه وعيه وصحته وأصبح اليوم طبيباً ولله الحمد والمنة. وكانت لنا خادمة ارتفعت حرارتها فأصابتها رعشة شديدة فكان السرير الذي ترقد فيه يتحرك معها إلى الحد الذي يتغير اتجاهه،وخرجت أختي لقضاء الحاجة إلى الخلاء فسقطت أرضاً مغمىً عليها بسبب المرض ، أمَّا عمتي رحمها الله فقد اشتدَّ عليها المرض وأخذت تردِّد الشهادة وطلبت من والدتها السَّماح ،لكن جدَّتي رحمها الله كانت أشدَّ ثباتاً وصلابةً،وكانت تقلِّل من شأن المرض وأنَّه سيأخذ أيامه ووقته ويرحل ،وكما قالت جدتي أخذ المرض أيامه العصيبة ورحل وعادت إلينا الحياة هبة من الله تعالى(وإذا مرضتُ فهو يشفينِ). 

بقلم : مريم دنكلاي

                                                  رومــا الصــغرى بقلــم/ يبات علي فايد أسمرا “ Asmara ”باللغة التجرينية تعني الغابة المزهرة...